فصل: من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة المعارج:
قوله جل ذكره: (بسم الله الرحمن الرحيم)
(بسم الله) كلمة من قالها وجد جمالها، ومن شهدها شهد جلالها.
وليس كل من قالها نالها، ولا كل من احتالها عرف جلالها.
كلمة رفيعة عن إدراك الألباب منيعة، كلمة على الحقيقة الصمدية دالة، كلمة لابد للعبد من ذكرها في كل حالة.
قوله جلّ ذكره: {سأل سآئِلٌ بِعذابٍ واقِعٍ}.
الباء في {بِعذابٍ} بمعنى عن، أي سأل سائلٌ عن هذا العذاب لِمنْ هو؟ فقال تعالى: {لِّلْكفِرِين ليْس لهُ دافِعٌ مِّن اللّهِ ذِى الْمعارِجِ}.
هذا العذاب للكافرين ليس له دافع {مِّن اللّهِ ذِى الْمعارِجِ}؛ فهذا العذابُ من الله.
ومعنى {ذِى الْمعارِجِ} ذي الفضل ومعالي الدرجات التي يُبْلِغُ إليها أولياءه.
قوله جلّ ذكره: {تعْرُجُ الْملائِكةُ والْرُّوحُ إِليْهِ في يوْمٍ كان مِقْدارُهُ خمْسِين ألْف سنةٍ}.
{والرُّوحُ} أي جبريل، في يومٍ كان مقداره ألف سنة من أيام الدنيا يعني به يوم القيامة.
ويقال: معناه يحاسِبُ الخلْق في يوم قصيرٍ ووقتٍ يسير ما لو كان الناسُ يشتغلون به لكان ذلك خمسين ألف سنة، واللّهُ يُجْرِي ذلك ويُمضيه في يومٍ واحد.
ويقال: من أسفلِ المخلوقاتِ إلى أعلاها مسيرةُ خمسين ألف سنة للناس؛ فالملائكة تعرج فيه من أسفله إلى أعلاه في يومٍ واحد.
قوله جلّ ذكره: {فاصْبِرْ صبْرا جمِيلا}.
فاصبرْ- يا محمد- على مقاساةِ أذاهم صبرا جميلا. والصبرُ الجميلُ ما لا شكوى فيه.
ويقال: الصبر الجميل ألا تسْتثْقِل الصبر بل تستعذبه.
ويقال: الصبرُ الجميل ما لا ينْتظِرُ العبدُ الخروج منه، ويكون ساكنا راضيا.
ويقال: الصبرُ الجميل أن يكون على شهود المُبْلِي.
ويقال: الصبرُ الجميل ما تجرّد عن الشكوى والدّعْوى.
قوله جلّ ذكره: {إِنّهُمْ يروْنهُ بعِيدا ونراهُ قرِيبا}.
إِنّ ما هو آتٍ فقريبٌ، وما اسْتبْعد منْ يستبْعِد إلاّ لأنّه مُرْتابٌ؛ فأمّا الواثِقُ بالشيءِ فهو غيرُ مُسْتبْعِدٍ له.
قوله جلّ ذكره: {يوْم تكُونُ السّماءُ كالْمُهْلِ وتكُونُ الْجِبالُ كالْعِهْنِ}.
الإشارة فيه أنه في ذلك اليوم منْ كان في سُمُوِّ نخوته ونُبُوِّ صولته يلين ويستكين ويضْعُفُ منْ كان يشْرُفُ، ويذلُّ منْ كان يُذِلُّ.
قوله جلّ ذكره: {ولا يسْئلُ حمِيمٌ حمِيما}.
لا يتفرّغُ قريبٌ إلى قريبٍ؛ فلكلِّ امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يُغْنيه.
ولا يتعهّدُ المساكين- في ذلك اليوم- إلا الله.
{يُبصّرُونهُمْ يودُّ الْمُجْرِمُ لوْ يفْتدِى مِنْ عذابِ يوْمِئِذٍ بِبنِيهِ وصاحِبتِهِ وأخِيهِ وفصِيلتِهِ التي تُئْوِيِهِ ومن في الأرْضِ جمِيعا ثُمّ يُنجِيهِ}.
{يُبصّرُونهُمْ} أي يعرفون أقاربهم، ولكن لا ترِقُّ قلوبُ بعضهم على بعض.
ويتمنّى المجرمُ يومئذٍ أنْ يُفتدى من عذاب جهنم بأعز منْ كان عليه في الدنيا من قريبٍ ونسيب وحميم وولدٍ، وبكلٍّ من الأرض حتى يخلص من العذاب.
{كلاّ إِنّها لظى}.
اسم من اسماء جهنم.
{نزّاعة لِّلشّوى}.
قلاّعةٌ للأطراف. تكشط الجِلْد عن الوجه وعن العظْم.
قوله جلّ ذكره: {تدْعُواْ منْ أدْبر وتولّى}.
تقول جهنمٌ للكافرِ والمنافقِ: يا فلان.. إلى إلى.
والإشارة فيه: أنّ جهنم الدنيا تعلق بقلبِ المرءِ فتدعوه بكلابِ الحِرْصِ إلى نفْسِه وتجرُّه إلى جمعها حتى يؤثرها على نفْسه وكلِّ أحد له؛ حتى لقد يبْخلُ بدنياه على أولاده وأعِزّتهِ... وقليلٌ منْ نجا من مكر الدنيا وتسويلاتها.
قوله جلّ ذكره: {إِنّ الإنسان خُلِق هلُوعا}.
وتفسيره ما يتلوه:
{إِذا مسّهُ الشّرُّ جزُوعا وإِذا مسّهُ الْخيْرُ منُوعا}.
والهلعُ شِدّةُ الْحِرِصِ مع الجزع. ويقال هلوعا: متقلِّبا في غمرات الشهوات.
ويقال: يُرْضيه القليلُ ويُسْخِطه اليسير.
ويقال: عند المحنه يدعو، وعند النعمة ينسى ويسهو.
{إِلاّ الْمُصلِّين الّذِين هُمْ على صلاتِهِمْ دآئِمُون}.
استثنى منهم المصلين- وهم الذين يُلازِمون ابدا مواطن الافتقار؛ مِنْ صلِي بالمكان.
{والّذين في أمْوالِهِمْ حقٌّ معْلُومٌ لِّلسّآئِلِ والْمحْرُومِ}.
وهم المُتكفِّف والمُتعفِّف.
وهم على أقسام: منهم منْ يُؤْثر بجميع مالِه؛ فأموالُهم لكلِّ منْ قصد، لا يخصُّون سائِلا من عائل. ومنهم من يعطي ويمسك- وهئلاء منهم- ومنهم منْ يرى يده يد الأمانه فلا يتكلِّف باختياره، وإنما ينتظر ما يُشار عليه به من الأمر؛ إِمّا بالإمساك فيقف أو ببذْلِ الكُلِّ أو البعضِ فيستجيب على ما يُطالبُ به وما يقتضيه حُكْمُ الوقت... وهؤلاءِ أتمُّهُم.
{والّذِين يُصدِّقُون بِيوْمِ الدِّينِ}.
وأماراتهُم الاستعدادُ للموتِ قبل نزوله، وأن يكونوا كما قيل:
مستوفزون على رِجْلٍ كأنهمو ** فقد يريدون أن يمضوا فيرتحلوا

قوله جلّ ذكره: {والّذِين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُون إِلاّ على أزْواجِهِمْ أوْ ما ملكتْ أيْمانُهُمْ فإِنّهُمْ غيْرُ ملُومِين فمنِ ابْتغى وراء ذلِك فأُوْلئِك هُمُ العادُون}.
وإنما تكون صحبتُهم مع أزواجهم للتّعفُّفِ وصوْنِ النّفْسِ، ثم لابتغاء أن يكون له ولدٌ من صلبه يذكر الله. وشرْطُ هذه الصحبة: أن يعيش معها على ما يهون، وألا يجرّها إلى هوى نفسِه ويحملها على مرادِه وهواه.
قوله جلّ ذكره: {والّذِين هُمْ لأماناتِهِمْ وعهْدِهِمْ راعُون}.
يحفظون الأمانات التي عندهم للخلْق ولا يخونون فيها. وأمانات الحق التي عندهم أعضاؤهم الظاهرة- فلا يُدنِّسُونها بالخطايا؛ فالمعرفة التي في قلوبهم أمانة عندهم من الحق، والأسرارُ التي بينهم وبين الله أماناتٌ عندهم. والفرائضُ واللوازمُ والتوحيدُ... كل ذلك أماناتٌ.
ويقال: من الأمانات إقرارهم وقت الذّرِّ. ويقال: من الأمانات عند العبد تلك المحبة التي أودعها اللّهُ في قلبه.
{والّذِين هُمْ بِشهاداتِهِمْ قائِمُون (33)}
شهادتهم لله بالوحدانية، وفيما بينهم لبعضهم عند بعض- يقومون بحقوق ذلك كله.
{فمالِ الّذِين كفرُوا قِبلك مُهْطِعِين (36) عنِ الْيمِينِ وعنِ الشِّمالِ عِزِين (37)}
والإهطاع أن يُقْبِل ببصره إلى الشيءِ فلا يرفعه عنه، وكذلك كانوا يفعلون عند النبي صلى الله عليه وسلم {عِزين}: أي خلْقا خلْقا، وجماعة جماعة.
{أيطْمعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أنْ يُدْخل جنّة نعِيمٍ (38)}
كلا... إنك لا تدعو عن هذا! وليس هذا بصوابٍ؛ فإنهم- اليوم- كفار، وغدا يعاملون بما يستوجبون.
{فلآ أُقْسِمُ بِربِّ الْمشارِقِ والْمغارِبِ} لا- هنا صلة، والمعنى أقسم. وقد مضى القول في المشارق وْالمغارب- {إِنّا لقادِرُون} على ذلك.
{فّذرْهُمْ يخُوضُوا ويلْعبُوا} غاية التهديد والتوبيخ لهم.
{يوْم يخْرُجُون مِن الأجْداثِ سِراعا} كأنهم يسرعون إلى أصنامهم، شبّه إسراعهم حين قاموا من القبور بإسراعهم إلى النُّصُبِ- اليوم- كي يقوموا بعبادتهم إياها. اهـ.

.من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
ومِنْ سُورةِ سأل سائِلٌ:
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ:
وقوله تعالى: {الّذِين هُمْ على صلاتِهِمْ دائِمُون}
روى أبُو سلمة عنْ عائِشة قالتْ: «كان أحبُّ الصّلاةِ إلى رسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ما دِيم عليْهِ، وقرأت: {الّذِين هُمْ على صلاتِهِمْ دائِمُون}» وعنْ ابْنِ مسْعُودٍ قال: «دائِمُون على مواقِيتِها» وعنْ عِمْران بْنِ حُصيْنٍ فِي الْآيةِ قال: «الّذِي لا يلْتفِتُ فِي صلاتِهِ».
وقوله تعالى: {لِلسّائِلِ والْمحْرُومِ}، رُوِي عنْ ابْنِ عبّاسٍ: «الّذِي يسْألُ، والْمحْرُومُ الّذِي لا يسْتقِيمُ لهُ تِجارةٌ» وقال أبُو قلابة: «الْمحْرُومُ منْ ذهب مالُهُ» وقال الْحسنُ بْنُ مُحمّدٍ: بعث النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سرِيّة فغنِمتْ، فجاء آخرُون بعْد ذلِك، فنزلتْ: {فِي أمْوالِهِمْ حقٌّ معْلُومٌ لِلسّائِلِ والْمحْرُومِ} وعنْ أنسٍ عنْ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ الْمحْرُوم منْ حُرِم وصِيّتهُ».
قال أبُو بكْرٍ: قدْ ذكرْنا فِيما تقدّم معْنى الْمحْرُومِ واخْتِلافهُمْ فِيهِ آخِرُ سُورةِ سأل سائِلٌ. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سورة المعارج فِيها ثلاثُ آياتٍ:
الْآيةُ الْأُولى قوله تعالى: {وفصِيلتِهِ الّتِي تُؤْوِيهِ} فِيها مسْألتانِ:
المسألة الْأُولى:
الْفصِيلةُ فِي اللُّغةِ عِنْدهُمْ أقْربُ مِنْ الْقبِيلةِ، وأصْلُ الْفصِيلةِ الْقِطْعةُ مِنْ اللّحْمِ.
والّذِي عِنْدِي أنّ الْفصِيلة مِنْ فصل، أيْ قطع، أيْ مفْصُولةٌ كالْأكِيلةِ مِنْ أكل، والْأخِيذةِ مِنْ أخذ؛ وكُلُّ شيْءٍ فصلْتهُ مِنْ شيْءٍ فهُو فصِيلةٌ؛ فهذا حقِيقةٌ فِيهِ يشْهدُ لهُ الِاشْتِقاقُ.
وأدْنى الْفصِيلةِ الْأبوانِ، فإِنّ اللّه تعالى يقول: {خُلِق مِنْ ماءٍ دافِقٍ يخْرُجُ مِنْ بيْنِ الصُّلْبِ والتّرائِبِ}.
وقال: {واللّهُ أخْرجكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمّهاتِكُمْ لا تعْلمُون شيْئا}؛ فهذا هُو أدْنى الْأدْنى، ولِهذا التّحْقِيقِ تفطّن إمامُ دارِ الْهِجْرةِ وحبْرُ الْمِلّةِ مالِكُ بْنُ أنسٍ رحِمهُ اللّهُ قال أشْهبُ: سألْت مالِكا عنْ قول الله تعالى: {وفصِيلتِهِ الّتِي تُؤْوِيهِ} قال: هِي أُمُّهُ، فعبّر عنْ هذِهِ الْحقِيقةِ، ثُمّ صرّح بِالْأصْلِ، فقال ابْنُ عبْدِ الْحكمِ: هِي عشِيرتُهُ، والْعشِيرةُ وإِنْ كانتْ كُلُّها فصِيلة فإِنّ الْفصِيلة الدّانِية هِي الْأُمُّ، وهِي أيْضا الْمُرادُ فِي هذِهِ الْآيةِ؛ لِأنّهُ قال: {يودُّ الْمُجْرِمُ لوْ يفْتدِي مِنْ عذابِ يوْمئِذٍ بِبنِيهِ وصاحِبتِهِ وأخِيهِ وفصِيلتِهِ الّتِي تُؤْوِيهِ} فذكر لِلْقرابة معْنييْنِ، وختمها بِالْفصِيلةِ الْمُخْتصّةِ مِنْهُمْ، وهِي الْأُمُّ.
المسألة الثّانِيةُ:
إذا حبس على فصِيلتِهِ أوْ أوْصى لها فمنْ راعى الْعُمُوم حملهُ على الْعشِيرةِ، ومنْ ادّعى الْخُصُوص حملهُ على الْأُمِّ، والْأُولى أكْثرُ فِي النُّطْقِ.
الْآيةُ الثّانِيةُ قوله تعالى: {إلّا الْمُصلِّين الّذِين هُمْ على صلاتِهِمْ دائِمُون} فِيها مسْألتانِ:
المسألة الْأُولى:
قال ابْنُ عبّاسٍ: هِي الصّلواتُ الْخمْسُ.
وقال ابْنُ مسْعُودٍ واللّيْثُ: هِي الْمواقِيتُ.
وقال ابْنُ جُريْجٍ: هِي النّوافِلُ.
وقدْ تقدّم ذِكْرُ الْمُحافظةِ على الصّلواتِ الْخمْسِ.
فأمّا قول ابْنِ جُريْجٍ إنّهُ النّفلُ فهُو قول حسنٌ فإِنّهُ لا فرْض لِمنْ لا نفْل لهُ.
وقدْ روى التِّرْمِذِيُّ وغيْرُهُ أنّهُ تُكْملُ صلاةُ الْفرِيضةِ لِلْعبْدِ مِنْ تطوُّعِهِ.
وقدْ رُوِي فِي الصّحِيحِ أنّهُ لمْ يكُنْ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على شيْءٍ مِنْ النّوافِلِ أشدّ مُعاهدة مِنْهُ على ركْعتيْ الْفجْرِ.
وقدْ روى التِّرْمِذِيُّ وغيْرُهُ فِي الصّحِيحِ أنّهُ قال صلى الله عليه وسلم: «منْ صلّى كُلّ يوْمٍ ثِنْتيْ عشْرة ركْعة فِي الْيوْمِ واللّيْلةِ بنى اللّهُ لهُ بيْتا فِي الْجنّةِ».
المسألة الثّانِيةُ:
قال عُقْبةُ بْنُ عامِرٍ: فِي قولهِ: {الّذِين هُمْ على صلواتِهِمْ دائِمُون} قال: هُمْ الّذِين إذا صلُّوا لا يلْتفِتُون يمِينا ولا شِمالا ولا خلْف، وينْظُرُ إلى قولهِ: {الّذِين هُمْ عنْ صلاتِهِمْ ساهُون}؛ فإِنّ الْمُلْتفِت ساهٍ عنْ صلاتِهِ.
وفِي الصّحِيحِ أنّ أبا بكْرٍ الصِّدِّيق كان لا يلْتفِتُ فِي صلاتِهِ، فكان عليْها دائِما ولها مُراعِيا؛ والْآيةُ عامّةٌ فِي الْمُحافظةِ عليْها، وعلى مواقِيتِها، على فرْضِها ونفْلِها.
وأمّا قولهُ: {والّذِين فِي أمْوالِهِمْ حقٌّ معْلُومٌ} وهِي الْآيةُ الثّالِثةُ فقدْ تقدّم بيانُهُ فِي مواضِع كثِيرةٍ. اهـ.